ألحظ وجود ظاهرة غريبة لدى البعض من المثقفين و الكتاب و هي أنهم يحاول إرجاع أصول البعض من الممثلين و الفنانين المصريين إلى القومية الكوردية، لست هنا بصدد إن كان صحيح أن أصل هذا أو ذاك كوردي أم لا، لأن هذا الشيء لا يعنيني و لا يزيدني فخراً و لا يزيد شيء إلى تأريخ القومية الكوردية و لا يغنيه بشيء، لأن الحكمة ليست في أن يقول الآخرون أنك من أصل كذا، لكن الحكمة أن تعتز أنت بأصلك و أن تعلنه على الملأ بصوتك، كأن عندما نقول أن سعاد حسني من أصل كوردي من المفروض أن تكون سعاد حسني قد اعلنت ذلك بنفسها و إفتخرت به جهاراً، لكن أن يقال هذا و بعد الوفاة فهذا شيء يدعوا للوقوف و التشكيك و حتى البحث..
ثم ماذا يفيد القومية الكوردية لو كانت مثلاً سعاد حسني الممثلة المصرية كوردية أم لا؟ إن كانت هي لم تعترف يوما بذلك بنفسها، ثم ماهي مقومات القومية؟ أولاً الإعتراف و ثانياً إتقان اللغة...ألخ، بإعتقادي من يتنكر لأصله، و من لا يتقن لغته الأم لا يستحق أن يذكر إسمه نهائياً..
كلامي هذا لا يعني تحديداً مقالة بعينها، و إنما أعني به كل من يقول أو يحاول أن يرجع أصل أحدهم إلى الكورد، فالكورد براء من كل من لم يقل بنفسه يوماً أنه كوردي، و من كل من إحتمى بقومية أخرى و نسي قوميته و حتى أنه لم يتعلم لغته الأم، و هذا الكلام يشمل حتى كبار الساسة و القادة في التأريخ، من أمثال صلاح الدين الأيوبي الذي لم أسمع أو أقرأ أنه خاض حروبه من أجل الكورد و لا حتى ربما كان يعرف أنه كوردي، فهو خدم العرب و الإسلام أكثر مما خدم قوميته و ربما لو سألته لقال لك أنه مسلم ثم مسلم ثم مسلم و هو الذي حارب إلى جانب العرب و قد يكون قتل في غزواته الكورد أيضاً من أجل ذلك..
و حتى كبار الشعراء و الكتاب و المبدعين في العالم، خصوصاً من لم يعترف أنه كوردي، رغم أن الإعتراف يكون ضعيف عندما يفشل المرء في أن يتعلم لغته الأم، لكنه أضعف الإيمان..
ما دعاني لكتابة هذه الأسطر ليست مقالة السيد خضير طاهر تحديداً لو أنها كانت الدافع هذه المرة، و التي يقول فيها أن سعاد حسني كانت كوردية، و إنما هو البعض من الناس الذين يحاولون عبثاً أن يثبتوا شيء لا نفتخر به نحن الكورد، مثلما قالوا قبل فترة أن صلاح السعدني كوردي و قبله قالوا أن محمود المليجي كوردي، و أنا أرى أن من الأفضل عدم ذكر هذا الكلام لأنه لن يفيد الكورد بشيء، سوى الإساءة، لأن صلاح السعدني و سعاد حسني و غيرهم و بسبب إنشغالهم بفنهم و سهرات العربدة و الليالي الحمراء و جمع المال من أرباح أعمالهم الفنية لا يجدون الوقت الكافي ليتذكروا أصولهم، و ربما يزعجهم حتى إعلان شيء من ذلك القبيل و حتى أنه ربما لن يهمهم أصلهم و فصلهم بقدر ما تهمهم مشاغلهم الفنية و إنغماسهم في أعمالهم الفنية..
ثم ماذا يعني أن تكون سعاد حسني التي أثبتت كل التحقيقات في مسألة وفاتها أنها كانت مدمنة مخدرات قبل وفاتها، أو ماذا قدموا هؤلاء للقومية الكوردية و بماذا خدموا الكورد حتى نتذكرهم بمقالة و نقول أنهم كانوا كورد؟
فأنا أستغرب من دراسة الكاتب للأموات و كيف توصل إلى دراسة نفسية و شخصية سعاد حسني و هي ميتة حين يقول: ((جذور سعاد حسني الكردية تلقي بعض الاضواء على حالة العزلة والاغتراب التي كانت تعيشها في حياتها فهي عندما كانت تعيش في وسط المجتمع العربي المصري كانت تحمل في داخلها لاشعور جمعي كردي وجينات كردية مختلفة عن محيطها الاجتماعي مما جعلها تشعر في اعماقها بعدم الانجذاب للمجتمعات العربية حتى لو كانت لم يسبق لها العيش في مجتمع كردي ولم تتقن اللغة الكردية فأن روحها كانت بهذا التشكل والهوية المغايرة غير منسجمة مع المحيط العربي المصري!))
أنا على يقين لو كانت سعاد حسني على قيد الحياة لكانت ردت على هذا الكلام بعنف و ربما أقامت دعوى قضائية على كاتب المقال، لأن أحداً لم يسمع لا من سعاد حسني و لا من والدها أنها كوردية، على الأقل كان سيسبب إزعاج للدلوعة سعاد...